الرأي

السلطة كما تُمارس: قراءة نقدية في كتاب Power

 

بقلم – سحر الزارعي

في قراءتي لكتاب Power لجيفري فايفر، لم أجد مجرد تأمل في مفاهيم السلطة، بل تفكيكًا صادمًا لآلياتها الواقعية، كما تُمارَس لا كما تُدرَّس. يكشف فايفر ما نحاول غالبًا تجاهله: أن النجاح في البيئات التنظيمية لا يعتمد بالضرورة على الذكاء أو الأخلاق أو الكفاءة، بل في أحيان كثيرة على القدرة على التحكم في التصورات، وعلى تمويه الحقيقة بلغة مقنعة، وإن كانت مجوفة من الداخل. القادة الذين يصعدون في كثير من المؤسسات ليسوا دائمًا من ينجزون، بل من يُجيدون بناء صورة تُغني عن الجوهر.

يصف فايفر كيف يستخدم بعض القادة “الضباب” كأداة سلطة. فهم لا يتحدثون بوضوح، ولا يتركون التعليمات صريحة، لأن الغموض يُبقي الآخرين في حالة توتر وتخمين دائم، ويصنع تبعية لا تقوم على الإقناع بل على الحاجة. ومن هنا تنشأ القيادة السامة: ليست القيادة القاسية فحسب، بل القيادة التي تُبقي موظفيها في مساحة رمادية، تتآكل فيها الثقة بالنفس، ويصبح الولاء مسألة نجاة شخصية لا إيمانًا جماعيًا.

ما شدني في الكتاب أن فايفر لا يقدم إدانة أخلاقية بقدر ما يقدّم مرآة قاسية. لا يدعونا لرفض السلطة، بل لفهمها كما هي: لعبة فيها من الإدراك أكثر مما فيها من الحقيقة، وفيها من التلاعب أكثر مما فيها من العدالة. وهذا الوعي، رغم مرارته، ثمين. لأنه يمنح القارئ فرصة لفهم الديناميكيات الخفية داخل المؤسسات، ويمكّنه من تمييز متى يكون الصمت سلامًا، ومتى يكون خضوعًا، ومتى يجب أن يُستعاد الصوت.

ليس الغرض من الكتاب أن يدفعك لتكون سامًّا، بل أن لا تكون ضحية سهلة للسلطويات المتقنعة بالكفاءة. إنه دعوة لأن ترى ما لا يُقال، وتسمع ما بين السطور، وتنتبه حين يُصبح الغموض سياسة لا عَرَضًا. ومن هذا الإدراك، تبدأ أول خطوات استعادة التوازن في بيئات قد تعيش طويلًا على حساب وضوحها وعدالتها.
إن كنتَ قرأت هذا الكتاب، فلعل السؤال ليس: ماذا فهمت؟ بل: ما الذي لم تعد تراه بنفس الطريقة من بعده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى