أخبار
الركن العُماني في “أيام الشارقة التراثية” يبرز التاريخ في الحاضر

في الفترة من 12 إلى 23 فبراير 2025، عاشت الشارقة على وقع الذاكرة، عبر مهرجان “أيام الشارقة التراثية” الذي تحوّل إلى كرنفال حيّ يحتفي بالحكايات القديمة وروح الشعوب.
وكان للركن العُماني حضوره اللافت، لا كمجرد مشاركة، بل كمنصة نابضة تعكس عمق التراث العُماني وتنوّعه، وتقدّمه بحيوية لا تخبو. من اللحظة الأولى لدخولي ساحة الفعالية، شدّني الركن العُماني بعبقه وروحه… رائحة اللبان، أصوات الطبول، نقوش الفضيات، وعيون الحرفيين التي تحكي أكثر من أيديهم.
بجوار لافتة “سلطنة عُمان”، تزيّنت عشرة محلات كأنها صورة مصغرة من الأسواق العُمانية القديمة، حيث تنبع الحياة من الحرف، وتولد القصص من الخشب والقماش والفضة. التقيت هناك بالصديق الإعلامي عبدالله ناصر الذهلي، الذي كان أحد القائمين على تنسيق هذا الركن، وقد بدا كما عهدته دائمًا: شغوفًا، عميق الرؤية، يحمل التراث كرسالة، لا كمجرد مهمة موسمية.
دار بيننا حديث طويل عن الهوية، عن كيف يمكن للتراث أن يكون معاصرًا، دون أن يفقد روحه. وتلمست في حديثه إيمانًا صادقًا بأن ما نعرضه ليس مقتنيات، بل مرآة لروح شعبٍ بأكمله.
في داخل الركن، كانت عشر حرف تقليدية تمثل عُمان بجغرافيتها وتاريخها: من نحت الخشب وصناعة القوارب، إلى الحُليّ الفضية ذات الزخارف العميقة، إلى العطور والمخمريات التي تحمل عبق الجبال وأسواق اللبان. حتى المناديس العُمانية، تلك الصناديق التي كانت تحفظ الأسرار والذكريات، كانت حاضرة لتقول للزائر: هذا بيتك القديم… وإن كنتَ غريبًا.
كان مشهد الحرفيتين العمانيتين وهما تقدّمان ورشًا يومية في النسيج وصناعة الورق من سعف النخيل، مؤثرًا وعميقًا. فالمعرفة لم تكن حكرًا على العرض، بل امتدت إلى التعليم، إلى نقل المهارة، إلى تفعيل الذاكرة الحرفية في قلب الحدث.
ولأن التراث لا يزدهر دون دعم، فقد بدا جليًا أثر رعاية حكومة الشارقة وحرصها على تمكين هذا الحضور العُماني، ليس فقط لوجستيًا، بل أيضًا معنويًا وثقافيًا. كانت المساحات مفتوحة، والتنظيم دقيقًا، والرسالة واضحة: في الشارقة، التراث العُماني ليس ضيفًا… بل شريكًا في صناعة الجمال.
الزوار توافدوا بأعداد كبيرة، بعضهم يتأمل التفاصيل بدهشة، وبعضهم يسأل ويستكشف، لكن الكل كان يشعر بأن ما يُعرض هنا ليس تمثيلًا فولكلوريًا، بل حياة تُعاد قراءتها بلغة الحرف والحنين.
غادرت الركن العُماني بعد انتهاء أيام المهرجان، وأنا أحمل سؤالًا يؤرقني: هل نحن نُدرك فعلًا قيمة هذا التراث؟ وهل نمتلك الرؤية الكافية لنقله من دائرة “العرض” إلى دائرة “العيش”؟
ما رأيته في الشارقة هذا العام، خاصة في الركن العُماني، أعاد لي يقيني بأن التراث لا يموت، بل فقط يحتاج من يُجيد الاستماع إلى صوته القديم، ويعرف كيف يمنحه لغةً جديدة تتحدث إلى المستقبل.
من فلسفة ثروان:
“التراث ليس ما نعرضه في المهرجانات، بل ما نحمله في أرواحنا حين نصحو كل صباح بشعور الانتماء.”