الرأي

هل نُجيد التكيّف… أم نُتقن التنازل؟

بقلم –  سحر الزارعي

 

كنتُ حاضرة في ورشة هذا الصباح. لا شيء خارق على السطح: تمارين تواصل، حوارات عن الإنصات، عن اختلاف الأنماط، عن كيف “نكون أفضل” مع الآخرين. لكن بينما كان الحاضرون يتحدثون عن المرونة، كنت أفكر بشيء مختلف تمامًا: هل ما نُسميه مرونة هو تكيّف ذكي… أم تمرين طويل على البقاء مقبولين؟ متى بدأنا نُحسن قراءة الغير أكثر من قدرتنا على التعبير عن أنفسنا؟ ومتى أصبحت النبرة أهم من الحقيقة؟

 

في لحظة ما داخل النقاش، استعدت قراءة قديمة لكتاب The Presentation of Self in Everyday Life لإرفنغ غوفمان. كنت أظن أنني تجاوزته، لكنه عاد وكأنه كُتب لهذا المشهد تحديدًا. كل ما تحدّثنا عنه من مهارات بدا كأنه إعادة صياغة لفكرة واحدة خطيرة: نحن لا نتصرف… نحن نُقدّم أنفسنا. لا نعيش اللحظة كما هي… بل نُخرجها كما نحب أن تُرى. وفي هذا “العرض”، لا يهم من نكون، بل كيف نبدو. وهكذا، تصبح المرونة أداة لتنسيق الانطباعات أكثر من كونها دليلًا على الفهم أو الاتزان.

 

كلما تعمّق الحديث، بدا واضحًا أن هناك طبقة أخرى لم يُسمّها أحد. خلف مهارات التكيّف تختبئ حكاية عن قلق غير مُعلن: الخوف من أن يُساء فهمك، من أن تُحمَل نواياك على غير ما تقصد، من أن تكون حادًا أو حساسًا أو أكثر مما يُناسب السياق. فتُدرب نفسك على تعديل كل شيء: نبرتك، تعبير وجهك، توقيتك، وحتى صمتك. ومع الوقت، تُتقن هذا الأداء لدرجة أنك تنسى أنه أداء.

 

وما بدا لي أكثر إزعاجًا، أن هذه “المرونة” ليست دائمًا اختيارًا. أحيانًا تكون شرطًا للبقاء داخل المنظومة. لا نمارسها لأننا نريد، بل لأن البديل هو أن يتم تصنيفنا، عزلنا، أو تجاهل صوتنا بالكامل. وما يبدو تواصلاً واعيًا، قد يكون في العمق مساومة صامتة على شيء من ذاتك.

 

كل ما في الورشة كان يبدو طبيعيًا حتى طرحت هذا السؤال على نفسي وأنا أغادر:

 

هل نُمارس المرونة لأننا نملك الخيار؟ أم لأننا ببساطة لا نملك رفاهية أن نكون غير مرنين؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى